حصل الروائي السوري حنا مينه على جائزة "الكاتب العربي" التي منحها اتحاد الكتاب المصريين بمناسبة مرور ثلاثين عاما على تأسيسه، اعترافا بموقعه المتميز على خريطة الرواية العربية.
وحنا مينه كاتب روائي تميز بأسلوبه المغرق في الواقعية في تصويره لأبطال رواياته الذين يختار معظمهم من حواري وأزقة مدينته اللاذقية دون أن يعمد حتى إلى تغيير أسمائهم.
يأخذ عليه الكاتب شوقي بغدادي في المقدمة التي كتبها لروايته "المصابيح الزرق" انه يقدم الشخصيات الواقعية في حياتها البسيطة وصراعها اليومي كتفاصيل في لوحة اجتماعية دون البحث عن جانب محدد في داخل تلك الشخصيات تتميز به عن غيرها ليسلط الضوء عليه ويقدمه للقارئ بتفرده ووحدانيته، وهو ما يقول بغدادي إن كبار أعمدة الرواية الواقعية قد اعتمدوه في تصوير شخصياتهم.
ولكن بغدادي يسجل لمينه قدرته على "إذهال القارئ" ومفاجأته رغم ان ما يقدمه في رواياته هو مظاهر الحياة اليومية البسيطة لأناس بسطاء. وهو بذلك، يلعب على وتر متميز داخل نفسية القارئ الذي تفترض بعض نظريات الأدب انه "يمارس نوعا من التعليق لنزعة عدم التصديق" (suspension of disbelief) من أجل أن يتفاعل مع الأدب الذي يفترض انه يدرك انه وان كان واقعيا فانه غير حقيقي.
في روايات حنا مينه المفرطة في واقعيتها ينجح في مغافلة القارئ ومفاجأته وإذهاله، رغم ان تطور الأحداث وسلوك الشخصيات كثيرا ما يكون قابلا للتبؤ، ولكن المؤلف ينجح في إضفاء أبعاد غير متوقعة على شخصيات رواياته أحيانا تكون مقنعة وفي أحيان أخرى تبدو مثالية.
البطل الايجابي، المنتصر دائما
تقول نجاح العطار في تقديمها لرواية "بقايا صور" ان نزعة الكاتب "في تأكيد قدرة الإنسان الجبارة على أن ينتصر دائما على الصعاب والمعوقات ليست مجانية تحذف الجانب الآخر غير المنتصر".
ومع إن تصوير صراع "البطل المنتصر" في روايات حنا مينه يعمد إلى إثراء شخصيته فعلا، بعدم الاكتفاء بتصويره "ككتلة من الصلابة" بل كشخصية بشرية لها سقطاتها وهفواتها، إلا ان نمطا من الشخصيات في رواياته يبقى "مثاليا" وهو البطل اليساري، النقابي، المناضل، الذي لا يخفي الكاتب تعاطفه معه، وربما كان هذا أحد نقاط الضعف في بعض كتابات حنا مينه.
بالطبع لا يستطيع الكاتب الروائي إلا إن يسجل موقفا في كتاباته مهما حاول التزام الحياد، إلا أن حنا مينه في تصويره المثالي لأبطاله لا يعمد حتى الى ادعاء الحياد، وربما كانت شخصياته اليسارية من أقل شخصياته اقناعا واستحواذا على قبول القارئ، فهم يبدون خارقين ليس فقط في تعاملهم مع الأوضاع الصعبة، بل أيضا في كونهم شخصيات مستنيرة في منتهى الوعي والحكمة وتتمتع بقدرة على التحليل المتزن واتخاذ القرارات الصائبة حتى ولو كانت شخصيات بسيطة ذات حظ محدود من التعليم والثقافة حيث معظمها من أصول عمالية وريفية لم تسعفها ظروفها بالتعليم.
عالم حنا مينه
هناك عنصران مهمان في عالم حنا مينه الروائي: البحر، الذي، كما يقول واكيم أستور في تقديمه لرواية "الدقل"، هو ميدان اختاره حنا لأنه الوجه الأصخب والأغنى، وهو كناية ورمز، رمز الحياة كلها وميدان لكل الصراعات، كما يؤكد أستور.
العنصر الاخر المهم هو الحارة الشعبية في مدينة اللاذقية في عالم ما بين الحربين العالميتين.
شخصيات الحارة هم من لحم ودم، بعضهم أحياء يرزقون وبعضهم ماتوا أثناء رواية قصتهم فعمد الكاتب إلى تغيير مصيرهم في الرواية أيضا.
حنا مينه يكتب الحياة، ولكنه يضفي عليها سحرا جماليا يجعل القارئ يستمتع حتى بمشاهد البؤس.
في احدى قصصه "الكتابة على الأكياس" يصور الظروف الصعبة التي ميزت طفولته، وكيف جعل منه سوء التغذية صبيا نحيلا غير قادر على القيام بعمل جسدي شاق، وحين أحس بضرورة مساعدة عائلته المعدمة ماديا ذهب إلى الميناء، حيث اكتشف عدم قدرته على رفع الأكياس، فشعر بالأسى.
وحين برزت حاجة لكتابة بيانات بسيطة على الأكياس اختاره "المعلم" لأنه يتقن الكتابة.
ويذكر في القصة انه حين التقى "بمعلمه" في دمشق بعد مرور سنين طويلة، وكان بصحبة صديق يعرف كليهما، قال ذلك الصديق للمعلم:ان حنا كاتب معروف اليوم.
فقال ذلك الرجل البسيط: نعم، أعرف ذلك. لقد بدأ الكتابة عندي، على الأكياس